Friday 1 November 2013

أبناء ميري






في القرن الماضي عندما بدأت اللغة الإنجليزية تنتشر في المنطقة وبدأت الحكومات تكتب أسماء الشوارع مرة بلُغة الدولة ومرة بالإنجليزية، عَلِم الجميع بأن هذه اللغة هي مفتاح التواصل مع العالم وهي الأكثر شهرة وتداول.


 وكانت نساء الجالية الهندية في البحرين يُدَرِسن الأطفال اللغة الإنجليزية في منازلهن ولكن تخلف بعض العقول القديمة أدى لإنقسام المجتمع آنذاك لثلاث فئات غير معلن عنها؛
 

 فئة أهل العلم وهم القلة، يحبون أن يُطوروا من مستواهم ومستوى أبنائهم كونهم مؤمنين بحاجتهم للإنفتاح على العالم فيأخذون أبنائهم – رغم رفض الأبناء – لتلك الهنديات ليتعلموا منهن. 

و فئة الجهل وكل من يكره التطور فكان يمقت هذه الدراسة بل ويستهزء على كل من يدرس الإنجليزية ويسميهم " أبناء ميري" نسبة لأشهر إسم هندي للإناث "ميري".


و فئة متهربة إتخذت الظروف المعيشية أو السن أو ماشابه كأعذار قبيحة أمام التعلم.



واليوم قد سقطت ثمرة كُل شجرة وجاء موسم الحصاد وأصبحنا نرى "أبناء ميري" هم الفئة الأكثر تطوراً بيننا، وأصبحت لغتهم تُدرس ضمن كُل المناهج المدرسية ولأن المدارس الحكومية ضعيفة في تعليم هذه اللغة فقد أُنشئت مدارس خاصة غير مجانية تمتاز بتدريس المواد بالإنجليزية، ولمن أراد أن يكمل الدراسة بالجامعة لابد له أن يَدرُس المواد بالإنجليزية وأمسَت الحياة من غير الإنجليزية شيء أصعب مما كُنا نظن، فكأنما هي لغة التفاهم مع العالم، خصوصاً كوننا ننتمي لدول نامية تحتاج أن تتطور وتلحق بالدول المتقدمة ولستُ أُبَالِغ عِندما أقول إننا يجب أن نسبق الدول المتقدمة.



فالإنجليزية هي سلاح وشِفرة لأجل أن تصل لهدفك الأكبر، فلو لم تتعلم السيدة الهندية "ميري" هذه اللغة لما تمكنت من أن تُدَرِس أبناء الأجيال الماضية في البحرين وتكسب الرزق من وراء ذلك، نحن نتواصل مع الغرباء والجامعات أوالشركات في الخارج و نسحب النقود من الصراف بالإنجليزية ونستلم فاتورة الكهرُماء وهي مكتوبة بالإنجليزية ولا يُمكنني أن أنسى تلك العجوز الهَرمة التي عندما تَنازَلتُ عن مقعدي في "المترو" لتَجلس هي عليه، حادثتني بلغتها الأم ولأنها لاحظت أنني لم أفهم ما قالته حادثتني بالإنجليزية فقط لترسل تحياتها لوالدتي ثم بدأت تشكو حالها وكأنها كانت تبحث عن من تفضفض له ما في قلبها فوجدت الطريق بالإنجليزية، والأمثلة أكثر من أن تحصى !


فإن لم تمر بموقف ترى نفسك –أوتوماتيكياً- تتكلم أو تحتاج أن تتكلم فيه بالإنجليزية فإعلم بأنه قادم يوماً ما، فإما أن تحسن التصرف وتتخطى الموقف كما لو كان بلغتك الأم، أو تتلكأ في الكلام فتضع كلمة إنجليزية على كلمة أخرى وتختم حديثك بلغة الإشارة أو تصمت ولا تجد ما تقول لأنك لم تفهم ما يُقال أو لا تعرف كيف تَرُد.




المشكلة الأكبر رغم علم الجميع بأهمية هذه اللغة فإن الفئات الثلاث الغير معلن عنها لازالت مستمرة ومصطلح "أبناء ميري" لا يزال مُتداولاً لكثيرٍ من متحدثي هذه اللغة.

 فاليوم نرى البعض من أهل العلم يشتري كتاباً باللغة الإنجليزية لإبنه ليتعلم بالمنزل أو يأخذه لمعهد خاص بعد المدرسة. وبعض الأذكياء يتابعون فلماً غير مترجم أومدبلج ويحاولون إلتقاط الكلمات بأذهانهم ولو لم يفهموا نصف الفلم، ويكتبون كل كلمة جديدة بالإنجليزية ليبحثوا عن معناها لاحقاً ولا يتركونها مجهولة فهم يؤمنون بأنه من عرف لغة قوم أمن شرهم، فيحاولون أن يطوروا من مستواهم العلمي بأي طريقة كانت ويستغلون حتى وقت تسليتهم بالتعلم.





وكما يقول يوهان جوته الأديب الألماني المشهور :
(يجب أن نطور ونغيّر ونجدد دائماً من أنفسنا وإلا تحَجَّرنا )



أما أهل الجهل والذين يحطمون مستقبلهم بأيديهم ويمنعون العلم من أن يأتيهم تراهم يتهربون من حصص الإنجليزية بالمدرسة وأهاليهم رغم علمهم لايحركون ساكناً فهم يضعون الإنجليزية تحت لائحة "علمٌ لا ينفع" ويعتبرون الكلمات الإنجليزية شخابـيط أطفالٍ على الحائط فهم بطبيعتهم يكرهون التطور والمجتمع الذي يمقِت التطور مجتمعٌ كسول، مُتخلف، مُعاق فكرياً ولا يُعتبر سوى زيادة عددية على هذه الكرة الأرضية.



قيل ( العِلمُ يَبنيْ بَيْتاً لا عِمَادَ لهُ وَالجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِ وَالشَرَفِ )




والفئة المتهربة وهي الأسوأ ؛ يتصنعون الأعذار لأجل أن لا يتعلموا، فالبعض يقول بأنه كبر على التَعلم أو إنه لا يملك الوقت الكافي لذلك، وآخرون يكتفون بلغة واحدة وكأن عقولهم لا تتقبل لغتين أو أكثر، ولازلت أتذكر قول أحد المدرسين العرب بالمدرسة أمام الفصل مازحاً "أنا لا أريد تعلًم الإنجليزية لأنها لغة الكفار" وبعد يومين رأيت أحد طلاب فصلنا يُرَدِدِها مُناقشاً بكل جدية !



تذكر دائماً بان الحواجز التي تضعها في عقلك، تضعها على مضمارك الذي تجري عليه أنت فكلما وضعت حواجزاً أكثر كلما منعت نفسك من الوصول أكثر.


 أدعو الجميع بأن يُفكر ملياً كيْفَ سَتكونُ الحَياةُ أسهَل لو تمَكن الجَميع أن يتكلم بهذه اللغة ؟ وأكثر من هذه اللغة ؟ فلنفكر لماذا نُحبط كل فِكرة جديدة تدعونا للتطور ونَصُر على جهلنا ؟! فلنفكر إلى أي مستوى سنصل له إذا ما استهزأنا بكل من يحاول أن يتطور وينفتح على العالم كما حدث ( لأبناء ميري ) ؟! وهي الحكاية التي يجب أن نأخذ العبرة منها.



أنا لا أعتب أبداً على من لا يعرف الإنجليزية لأن الموضوع أكبر بكثير، بل العتب عَلى كُل من يجذب الجهل إلى نفسه وإلى البيئة التي يعيش فيها فنحن والله لسنا بحاجة لأن نرجع للوراء أكثر، علينا أن نرحب بكل فكرة تطور من مستوانا وتوَجِهَنا تِجاه القِمة حَتى يَأتي اليَوم الذي نصل فيه لها، علينا أن نمتلك الشجاعة والهِمَة لأجل أن نُغير من أنفسنا دائماً ولا نواجه التغيير بالرفض كما نفعل الآن.




في كتابه سحر القيادة يقول الدكتور المرحوم إبراهيم الفقي :
( التغيير أمر لا يميل له الكثير من بني البشر، يرهبه معظم الناس، ولا يقوم به إلا فئة قليلة من أصحاب الشجاعة والقوة )




فلنَكن نحن من ضمن هذه الفئة الشجاعة القليلة.

والله ولي التوفيق ،، 




بقلم / أحـمـد الـبـنـاء
20 / 10 / 2013

Tuesday 1 October 2013

الراحلون، نحن الراحلون





سألني أحدهم ذات يوم .. ماهو الرحيل ؟   فأجبت :


الرحيل، أن تنتظر لما بعد منتصف الليل لتتمشى في منزلك وحدك من غرفة لأخرى، تقوم من هذه الأريكة لتجلس على التي بجانبها بلا سبب ، تلامس الجدران وأنت تمشي ثم تنفض ماتجمع من الغبار على إصبعك وكأنك تودع حتى الجماد.

الرحيل ، أن تلبس "ملابس الرحيل" الجديدة ضاحكاً وتعرِض بها مُستأنساً، ثم تضعها بداخل "حقيبة الرحيل" بحال مختلف تماماً.

الرحيل ، أن تصبح ( أنت خارج غرفتك ) ، إنسان آخر عن ( أنت بداخل غرفتك )

الرحيل ، تزور أخوتك في غرفهم تمازح هذا وتقفز على سرير ذاك ضاحكاً تضايقهم لتظهر لهم عدم إكتراثك بأنك بعد أيام " راحل ".

الرحيل ، شعور مؤقت صعب.

الرحيل ، تخبر الآخرين عنه بشوق حماس وكأنك تريده أن يكون اليوم قبل الغد، والطفل الذي بداخلك لايكف عن البكاء ولكن و –على غير العادة- لا يجد من يلتفت له ويربت على ظهره !

بصراحة، إن الرحيل عن الأخ والأخت، العم والعمة، الخال والخالة، الأنساب والأصدقاء من كل مكان، ولربما حتى الأب، صعب جداً ولكن يهون بالنسبة للكثيرين.


وتبقى تلك التي كلما تذكرتها ورغم "قساوة قلبي الطيب" إلا أن نبضاته تتقافز بشكل غريب وتأتي تلك الرعشة في آخر رقبتي وشيء أشبه بأحدهم يحاول أن يخنقني من الداخل وفوق حنجرتي شي ما يريد أن يثبت وجوده ، أما الصداع فقط أصبح صديقاُ "لايرحل" .

الرحيل ، الكلمة بحد ذاتها توجع ، لا أعلم كيف سأعبر أمواجه ولكني متأكد بأني سأفعل بإبتسامة :)



# بعثرة حروف

حُررت في اليوم الموعود للجِهاد في برلين الحُرة،
أحمد البناء ،
02/10/13      


Wednesday 25 September 2013

من فوق هالله هالله ومن تحت يعلم الله





نارٌ جهنميةٌ تشتعل بداخل صدره، يكره هذا ، يشتم ذاك، يغتاب صديقه وينشر الفتنة بين أوساط الأحبة، حقدٌ من فئة الخمس نجوم، دقات قلبه ليست نبضاً للحياة أبداً بل رنينٌ شيطاني، يُجاهد من أجل أن يجعل سُمعتك سوداء كقلبه ولا يُريدك حتى أن تشاركه في إستنشاق الأوكسجين. 

 ولـكـن عندما تُقابله تظن أنك تتكلم مع أحد الملائكة، يَتَبسم في وجهك، يسأل عَنك لا يكتفي بالمُصافحة بل يبدأ بتقبيلك، ليُظهر لك الوجه الآخر في هذه العملة الرخيصة، " كيف حالك ؟ وحشتني ؟ وينك ما تبين ؟ " هذا كلامه وهو يعانق نصف جسدك.


قد تكون وضعت بعض الأشخاص في مخيلتك الآن من ذوي الوجوه البيضاء والقلوب الحاقِدة، أبناء هذه الفئة لا يُكتشفون بسهولة ولكن اعلم إنهم مُنتشرون بكثرة، أنا لا أشجعك على الظن السيء بالآخرين ولكن وُجب أن تحذر ممن يُزيْنون لك طعامَك لتأكله وهم ليسوا إلا فخوخاً تحت الثرى لاتُبان تحاول أن تمنعك من مُمارسة حريتك.


صحيح أنهم كثيرون كما ذكرت ولكن في كل الاحوال لا تتجسس على أي أحد لتكتشف ماذا يُخبئ لك ولا تُقِم له إختباراً ، بل إحمله على سبعين محملاً من الخير فإن كُنت عندها على خطأ ستشعر بذنب عظيم وضميرٍ يؤنبك كُلما رأيته وقد تسقط الثقة بينكُما، وفر تعبك وإتركها على الأيام والمواقف فقط ، فهي التي ستكشف لك ماذا تخبئ هذه الصناديق النابضة.


ولكن في حال أن عثرت على أحد هؤلاء المرضى، على من كُنت تعتبره "أخاك" أو "وطنك" وهو من خلفك يعتبرك العدو الأول والأخير وتيقنت من هذا، فعظم الله لك الأجر. 


 أول تصرف يجب أن تقوم به هو ببساطة تركه وشانه ثم حاول أن تترك إنطباعاً بعكس ما يقول، فعلى سبيل المثال: إن قال عنك بخيل فالتعطي وتُكرم أكثر وتجعل الناس يمدحون كرمك بأنفسهم، فقط إثبت عكس ما يقول بشرط أن تقوم بالصحيح فلا ترضي الخلق بمعصية الخالق، وإعلم أن رضا الناس غاية لاتُدرك فقم بالشيء الذي تراه الصواب دائماً. 
 

قال تعالى في سورة  فصلت : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، في تفسير الميزان لهذه الآية يَقول الطباطبائي رحمه الله تفسيراً لكلمة " ادفع " : "فادفع بالحق الذي عندك باطلهم لا بباطل آخر و بحلمك جهلهم و بعفوك إساءتهم و هكذا".


 توضح الآية أننا لايجب أن نواجه الخطأ بالمثل، أي أنه لايُمكن أن تًحل مشكلة بإختلاق مشكلة أخرى، فلو طعنت من طعنك سابقاً فقد أعطيته مبرراً لما فعل !  إذاً كيف تواجهه ؟ وكيف تنظر له ؟ 

" بـإبـتـسـامة عـريـضـة " فقط وتظاهر بأنك لاتعلم شيئاً وبيدك خيار أن تسامحه فعندها تكون قد عاملت السيئة بالحسنة.

 
وتذكر دائماً وأبداً، شخصيتك، نظافتك، إنطباعاتك، أفكارك، طريقك، مذهبك، وحياتك كُلها بإختيارك أنت وأنت وأنت، وفي النهاية كُن واثقاً أن نُباح كلبٍ هنا وجروٍ هُناك لايمكن أن يعلو على صوت زَئيرك إلا في حال صمتِك، والقوي فعلاً هو من يُسامح ويتجاهل ويحاول أن يرضي ربه ونفسه ويصحح من أخطائه ويطور شخصيته ، لا من يرد على كل سيئة بسيئة أكبر.




 

أحمد البناء | 29/08/2013