Saturday 7 September 2013

الذهب اللامع من المُنجم المُظلم



    نعم !  أغلبنا يحكم على الآخرين من مظاهرهم الخارجية، ثم يتهم نفسه بالغباء عندما يكتشفهم ويعرفهم ! قد يرى تفاحة جميلة حتى يسيل لُعابه، وبعد أول قضمة يكتشف أنها مملوءة بالدود ! قد يرى شاباً يُكلم نفسه في إحدى زوايا جامعته فيتهمه بالجُنون وبالغباء وبعدها يكتشف إنه كان يتدرب لمحاضرة سيُلقيها أمام العشرات ليستفيدوا منه. 




هذا يحصل دائماً وقد تكون عادةً فطرية ولكن المُشكلة ما يُبنى على ذلك، ما نبنيه نحن بخيالنا – الظالم – فقد نستبعد أشخاصاً من حياتنا فقط لأن أشكالهم لم تُعجبنا أو لأنهم يشبهون أشخاصاً آخرين فنظنهم بنفس الطِباع ولو دخلوا في حياتنا لأصبحت أفضل والعكس تماماً.





والحل لهذه المشكلة هو أن نتخلى عن هذا الجانب الذي سأسميه " جانباً طفولياً " فالأطفال يخافون من كبيرات السن عندما يرغبن بإحتضانهم بعد أن يروا تقاسيم وجهوهِن أو يسمعوا نبرة الصوت المَبحوحة، ولكن الأطفال أنفسهم لا يخافون من جداتهم اللاتي يمتلكن نفس الصفات لتعودهم عليهن، ولأنهم يؤمنون أن هذه التي تُخيفني تُحبني ولن تؤذيني أبداً.





فلنُفهم عقلنا الباطني ليزداد إستيعابُنا لمسألة المظهر الخارجي أن كُل شخص هو بستان وأنه مُحاط بسور عالٍ جداً، ولا يُمكننا أن نتجاوز هذا السور لنرى البُستان إلا بعد العثور على باب السور، فقد تتجه لسورٍ ذهبي جميل مُزخرف بألوانك المُفضلة، وبعد أن تدخله ترى البُستان كأطلال الحروب ! وقد تتجه لذلك السور الإسمنتي الغير مَطليْ حتى وعندما تفتح بابه المملوء بالصدأ تظن أنك ترى الجنة في الأرض.  
   -  البساتين هم الناس وحقيقتهم وشخصيتهم، وأبوابها هي طريقة معرفة شخصياتهم التي تُمثل البُستان من الداخل، أما السور العالي فهو الشكل الظاهري الذي قد يثير إعجابك أو إشمئزازك من أولى النظرات.
 



بالحديث عن سور البستان أي الشكل الخارجي الذي يمثل الطبقة الشكلية فقط لكل إنسان أتذكر قصةً كتبها الدكتور إبراهيم الفقي في إحدى كتبه عن تمثال من الطين الصلصالي يُسمى "بوذا" قرر العُمال إبعاده عن مكانه في أحد المباني لإقامة طريق سريع، فرفعته الرافعة الآلية وتسبب ذلك في تشقق بعض من الطين بالطبقة الخارجية للتمثال، فلما وُضع الضوء لإكتشاف مكان الشُق إنعكس الضوء فثار هذا إستغراب وفضول العمال حيث أن الطين لايعكس الضوء بهذه الدرجة، عندها بدؤا شيئاً فشيئاً بإزالة طبقة الطين ليروا أنفُسهم أمام تمثال عملاق من الذهب.
 
 - لذا فإنتبه فقد تستصغِر من تراه اليوم طيناً وغداً تتفاجأ بكونه ذهبا.
 
 



فالنسأل أنفسنا هذا السؤال (ماذا لو تخَلينا عن هذه الآفة ؟ ) سيؤدي هذا لتخلينا عن العنصرية والطائفية وكل الأمراض المشابهة، لأننا عندها لن نرى من الناس وُجوههم ولا أجسادهم ولا دينهم ولا إنتمائهم بل سَنرى قلوبهم ونتبادل أفكارنا مع عقولهم ونتعامل مع أخلاقهم ليس إلا.




وختاماً، أشجع الجميع على أن ينظروا للآخرين من داخلهم ويتركوا الشكل الخارجي وكأنهم لم يروه ويُسقوا أنفسهم وتفكيرهم بما هو نافع لتُصبح شخصيتهم لامعة وذكية تدوم سنيناً لا تصدأ وهذا ( لا يعني أبداً ترك الشكل الخارجي وعدم الإكتراث له ). وبالمُحاكاة بمثال البُستان ذو السور العالي فإنك كُلما أبدعت في زرع الأفكار الإيجابية لعقلك ورويتها بإستمرار فإن ثمارك ستكون أحلى وأجمل. فلتحرص على ريّ بُستانك بالعلم والمعرفة لأنه سيأتي اليوم الذي ينظر الناس له ويستنشقوا من رحيق وروده.





    -  ودُمتم بساتيناً مُزدهرة .



  أحمد البناء ،  30 / 07 / 2013



2 comments:

  1. احسنت ، بارك الله فيك واصل

    ReplyDelete
  2. ما شاء الله , تمتلك حس ايصال الافكار للعقل مباشرة !
    كيييب قونق اون

    ReplyDelete